كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


ما ذكر في شرح هذا الحديث هو ما لبعض الأئمة لكني رأيت في رواية ما يدل على أن المراد بالإتقان الإخلاص ولفظها إن اللّه لا يقبل عمل امرئ حتى يتقنه‏.‏ قالوا‏:‏ يا رسول اللّه وما اتقانه قال‏:‏ يخلصه من الرياء والبدعة‏.‏

- ‏(‏هب عن عائشة‏)‏ وفيه بشر بن السري تكلم فيه من قبل تجهمه وكان ينبغي للمصنف الإكثار من مخرجيه إذ منهم أبو يعلى وابن عساكر وغيرهما‏.‏

1862 - ‏(‏إن اللّه يحب من العامل‏)‏ أي من كل عامل ‏(‏إذا عمل‏)‏ عملاً في طاعة ‏(‏أن يحسن‏)‏ عمله بأن لا يبقى فيه مقالاً لقائل ولا مفرجاً لغائب‏.‏ قال الراغب‏:‏ العاقل من تحرى الصدق في صناعته وأقبل على عمله وطلب مرضاة ربه بقدر وسعه وأدى الأمانة بقدر جهده ولم يشتغل عن عبادة ربه كما قال تعالى ‏{‏لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه‏}‏‏.‏

قال النووي‏:‏ المحبة الميل ويستحيل أن يميل اللّه تعالى أو يمال إليه وليس بذي جنس ولا طبع فيوصف بالشوق الذي تقتضيه الطبيعة البشرية فمحبته للعبد إرادته تنعيمه أو هي إنعامه فعلى الأول صفة وعلى الثاني صفة فعل وأما محبة العبد للّه تعالى فإرادته أن يحسن إليه اهـ‏.‏

- ‏(‏هب‏)‏ من حديث قطبة بن العلاء بن المنهال عن أبيه عن عاصم بن كليب ‏(‏عن‏)‏ أبيه ‏(‏كليب‏)‏ بن شهاب الحري قال العلاء‏:‏ قال لي محمد بن سوقة اذهب بنا إلى رجل له فضل فانطلقنا إلى عاصم بن كليب فكان مما حدثنا أن قال حدثني أبي كليب أنه شهد مع أبيه جنازة شهدها مع رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وعلى وآله وسلم وأنا غلام أعقل وأفهم فانتهى بالجنازة إلى القبر ولم يمكن لها فجعل رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول سووا في حد هذا حتى ظن الناس أنه سنة فالتفت إليهم فقال‏:‏ أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره ولكن إن اللّه إلخ وقطبة ابن العلاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه النسائي وقال أبو حاتم لا يحتج به قال أعني الذهبي والده العلاء لا يعرف وعاصم بن كليب قال ابن المديني‏:‏ لا يحتج بما انفرد به اهـ وكليب ذكره ابن عبد البر في الصحابة وقال له ولأبيه شهاب صحبة لكن قال في التقريب‏:‏ وهم من ذكره في الصحابة بل هو من الثالثة وعليه فالحديث مرسل‏.‏

1863 - ‏(‏إن اللّه يحب إغاثة اللّهفان‏)‏ أي المكروب أي إعانته ونصرته يقال تلهف على الشيء ولهف إذا حزن وتحسر عليه فهو لهفان وملهوف ولهيف أي مكروب وورد في فضل إعانته أخبار وآثار تحمل من له أدنى عقل على بذل الوسع فيها واستفراغ الجهد في المحافظة عليها وسيمر بك كثير من ذلك في أحاديث هذا الجامع‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قضية صنيع المصنف أنه لم يره ولا شهر ولا أحق بالعزو منه إليه وهو عجيب فقد رواه أبو يعلى وكذا الديلمي من حديث أنس باللفظ المزبور‏.‏

1864 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب الرفق‏)‏ بكسر فسكون لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل والدفع بالأخف ‏(‏في الأمر كله‏)‏ في أمر الدين وأمر الدنيا حتى في معاملة المرء نفسه ويتأكد ذلك في معاشرة من لا بد للإنسان من معاشرته كزوجته وخادمه وولده فالرفق محبوب مطلوب مرغوب وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف مثله من الشر وهذا قاله لما قالت اليهود لعائشة رضي اللّه تعالى عنها عندها السام عليك قالت بل عليكم السام واللعنة‏.‏

عرف في شرح الرسالة العضدية الرفق بأنه حسن الانقياد إلى ما يؤدي إلى الجميل‏.‏

- ‏(‏خ عن عائشة‏)‏ قضية كلام المصنف أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو ذهول عجيب فقد رواه مسلم أيضاً باللفظ المزبور عن عائشة المذكورة في كتاب الاستئذان لكن الإنسان محل النسيان‏.‏

‏[‏ص 288‏]‏ 1865 - ‏(‏إن اللّه يحب السهل‏)‏ في قوله وفعله أي المتهلل الوجه البسام والمتيسر في أمره غير المتعسر فتراه سهلاً في دنياه في بيعه وشرائه وأخذه وعطائه فيشعر بحقارة الدنيا وتراه سهلاً في معاشرة الخلق لين الجانب حسن الصحبة ذا رفق لهم وكذا في أمر الدين سهل الانقياد إلى طاعة ربه‏.‏ قال بعضهم‏:‏ المؤمن أسهل شيء وأيسره فإذا تعرض لدينه كان كالجبل ‏(‏المطلق‏)‏ وفي نسخ الطليق والأول هو ما في خط المؤلف يعني طلق الوجه ظاهر البشر لأن اللّه سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب التخلق بشيء منها والسهولة والطلاقة داخلان فيما تسمى به إذ هما من الحلم والرحمة وفي رواية الطلق يقال رجل طلق الوجه وطليق الوجه إذا كان في وجهه طلاقة وبشاشة وقال أبو زيد رجل طليق الوجه متهلل بسام‏.‏

- ‏(‏الشيرازي‏)‏ وكذا الديلمي ‏(‏هب‏)‏ كلهم ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للبيهقي وسنده ضعيف انتهى‏.‏ وذلك لأن فيه أحمد بن عبد الجبار البلخي أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه وحديثه مستقيم قال الدارقطني وغيره متروك‏.‏

1866 - ‏(‏إن اللّه يحب الشاب‏)‏ وهو من بلغ ولم يتجاوز ثلاثين سنة ‏(‏التائب‏)‏ أي الراجع إلى اللّه تعالى عن قبيح فعله وقوله لأن الشبيبة حال غلبة الشهوة وحدة النفس وقوة الطبع وضعف العقل وقلة العلم فأسباب المعصية فيها قوية وأسباب العصمة ضعيفة فتغلب الشاب قيواقع المنهي فإذا تاب مع قوة الداعي استوجب محبة اللّه له ورضاه عنه مكايدة للنفس والشيطان‏.‏

- ‏(‏أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ في الثواب ‏(‏عن أنس‏)‏ قال الزين العراقي سنده ضعيف‏.‏

1867 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب الشاب الذي يفني شبابه‏)‏ أي يصرفه كله ‏(‏في طاعة اللّه تعالى‏)‏ لأنه لما تجرع مرارة الصبر وحبس نفسه عن لذاتها في محبة اللّه ورجاء ما عنده من الثواب جوزي بمحبة اللّه له والجزاء من جنس العمل ومن ثم كان صبر السلطان على ترك الظلم والفتى على الشهوات أفضل من صبر غيرهما على ذلك‏.‏

- ‏(‏حل عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه محمد بن الفضل بن عطية قال الذهبي في الضعفاء تركوه وأبهمه بعضهم وسالم الأفطس قال ابن حبان ينفرد بالمعضلات‏.‏

1868 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب الصمت‏)‏ أي السكوت حيث لا ضرورة إلى الكلام ‏(‏عند ثلاث‏)‏ من الأشياء‏.‏ الأول‏:‏ ‏(‏عند تلاوة القرآن‏)‏ أي شيء منه ليتدبر معانيه ويتأمل أحكامه قال تعالى ‏{‏وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا‏}‏ ‏(‏و‏)‏ الثاني‏:‏ ‏(‏عند الزحف‏)‏ أي عند التقاء الصفوف في الجهاد لأن السكوت أهيب وأرهب ولهذا كان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم يكره الصوت عند القتال كما يأتي وذلك لأن الساكن الساكت أهيب وأرهب ‏(‏و‏)‏ الثالث‏:‏ ‏(‏عند الجنازة‏)‏ أي عند المشي معها والغسل والصلاة عليها وتشييعها إلى أن تقبر ومن ثم كان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم إذا شهد جنازة أكثر الصمات وأكثر حديث نفسه وكان إذا تبع جنازة علا كربه وأقل الكلام ولا يعارض ذلك خبر أكثروا في الجنازة من قول لا إله إلا اللّه لأن المراد أنه يقوله سراً‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا أبو يعلى ‏(‏عن زيد بن أرقم‏)‏ قال ابن الجوزي قال أحمد ليس بصحيح وقال ابن حجر في سنده راو لم يسم وآخر مجهول وقال الهيثمي فيه رجل لم يسم‏.‏

1869 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب العبد‏)‏ المؤمن ‏(‏التقي‏)‏ بمثناة فوقية من يترك المعاصي امتثالاً للمأمور به واجتناباً للمنهي عنه وهو ‏[‏ص 289‏]‏ فعيل من الوقاية تاؤه مقلوبة عن واو وقيل هو المبالغ في تجنب الذنوب ‏(‏الغني‏)‏ غنى النفس كما جزم به في الرياض وهو الغني المحبوب وأشار البيضاوي وعياض والطيبي إلى أن المراد غنى المال والمال غير محذور لعينه بل لكونه يعوق عن اللّه فكم من غني لم يشغله غناه عن اللّه وكم من فقير شغله فقره عن اللّه فالتحقيق أنه لا يطلق القول بتفضيل الغني على الفقير وعكسه ‏(‏الخفي‏)‏ بخاء معجمة أي الخامل الذكر المعتزل عن الناس الذي يخفي عليهم مكانه ليتفرغ للتعبد قال ابن حجر وذكر للتعميم إشارة إلى ترك الرياء وروى بمهملة ومعناه الوصول للرحم اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء قال الطيبي والصفات الثلاثة الجارية على العبد واردة على التفضيل والتمييز فالتقى مخرج للعاصي والغني للفقير والخفي على الروايتين لما يضادها فإذا قلنا إن المراد بالغنى غنى القلب اشتمل على الفقير الصابر والغني الشاكر منهم وفيه على الأول حجة لمن فضل الاعتزال وآثر الخمول على الاشتهار‏.‏ قال بعض العارفين‏:‏ طريق القوم لا تصلح إلا لمن كنست بأرواحهم المزابل، وقيل‏:‏

ليس الخمول بعار * على امرئ ذي كمال * فليلة القدر تخفى * وتلك خير الليالي

- ‏(‏حم م‏)‏ في آخر صحيحه ‏(‏عن سعد‏)‏ بن أبي وقاص كان في إبله فجاء ابنه فقال نزلت ههنا وتركت الناس يتنازعون الملك فضرب سعد في صدره وقال اسكت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول فذكره ولم يخرجه البخاري‏.‏

1870 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب العبد المؤمن المفتن‏)‏ بفتح التاء مشددة مبنياً للمفعول أي الممتحن بالذنب ‏(‏التواب‏)‏ أي الكثير التوبة أي الذي يتوب ثم يعود ثم يتوب ثم يعود ثم يتوب وهكذا قال الحرالي وهذا تأنيس لقلوب المجروحين من معاودة الذنب بعد التوبة منه وقال ابن عربي‏:‏ يريد أنك إذا كنت من التوابين على من أساء في حقك كان اللّه تواباً عليك فيما أسأت من حقه فرجع عليك بالإحسان فمن أساء إليه أحد من عباد اللّه تعالى فرجع عليه بالإحسان إليه في مقابلة إساءته فهو التواب المحبوب إلى اللّه هكذا فلتعرف حقائق الأمور لا أنه تعالى يختبر عبده بالمعاصي حاش اللّه أن يضاف مثل هذا إليه وإن كانت الأفعال كلها للّه تعالى من حيث كونها أفعالاً وما هي معاصي إلا من حيث حكم اللّه فيها بذلك فأفعال اللّه كلها حسنة من حيث هي أفعاله فافهم‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ وكذا أبو يعلى والديلمي ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين كرم اللّه وجهه قال الهيثمي وفيه من لم أعرفه انتهى وقال شيخه الزين العراقي سنده ضعيف‏.‏

1871 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب العطاس‏)‏ أي سببه الذي لا ينشأ عن زكام لأنه المأمور فيه بالتحميد والتشميت ويحتمل التعميم كما في الفتح وهو يفتح المسام ويخفف الدماغ إذ به تندفع الأبخرة المحتبسة فيه ويخفف الغذاء وهو أمر مندوب إليه لأنه يعين صاحبه على العبادة ويسهل عليه الطاعة ومن ثم عده الشارع نعمة يحمد عليها كما سبق ‏(‏ويكره التثاؤب‏)‏ بالهمز وقيل بالواو وهو تنفس ينفتح منه الفم بلا قصد وذلك لأنه يكون عن امتلاء البدن وثقله وكثرة الغذاء وميله إلى الكسل فيثبط صاحبه عن الطاعة فيضحك منه الشيطان ولهذا سن الشرع كظمه ورده ما أمكن‏.‏

- ‏(‏خ‏)‏ في آخر الأدب من الصحيح ‏(‏د‏)‏ في الأدب ‏(‏ت‏)‏ في الاستئذان ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه أيضاً ابن أبي شيبة وزاد في الصلاة وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو وهم بل روياه معاً ثم إن هذا لفظ أبي داود أما البخاري فزاد عقب يكره التثاؤب وإذا عطس أحدكم وحمد اللّه كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك اللّه وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليردّه ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان انتهى فاقتصار المصنف على بعض وحذف بعض غير صواب‏.‏

1872 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب المؤمن المبتذل‏)‏ بالبناء للفاعل أي التارك للزينة تواضعاً وزاد في رواية المحترف أي الذي ‏[‏ص 290‏]‏ له صناعة يكتسب منها فإن قعود الرجل فارغاً من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة وكان ابن مهران يحث أصحابه على الكسب ويقول لهم حصلوا قوتكم ثم أغلقوا عليكم بيوتكم وقالوا له مرة إن هنا أقواماً يقولون نجلس في بيوتنا حتى يأتينا رزقنا فقال هؤلاء قوم حمق هذا لا يصح إلا لمن كان له يقين كيقين إبراهيم وفسر المبتذل بقوله ‏(‏الذي لا يبالي ما لبس‏)‏ أهو من الثياب الفاخرة أو من أدنى اللباس وأقله قيمة لأن ذلك هو دأب الأنبياء وشأن الأولياء ومنهج الحكماء قال بعضهم‏:‏ البس من الثياب ما يخدمك ولا يستخدمك وقال العتبي‏:‏ أخزى اللّه من ترفعه هيئة ثيابه وماله لا أكبراه همته ونفسه وإنما لهيئة للأدنياء والنساء والتزين باللباس للرجال من المعايب والمذام، إذ هو من صفة ربات الحجال‏.‏ قال الغزالي‏:‏ الذين ينظفون ثيابهم ويزينوها ويطلبون الثياب الرفيعة والسجادات الملونة لا فرق بينهم وبين العروس التي تزين نفسها طول النهار ولا فرق بين أن يعبد الإنسان نفسه أو يعبد صنماً، ومن راعا في ثوبه شيئاً غير كونه حلالاً وطاهراً بحيث يلتفت إليه قلبه فهو مشغول بنفسه، فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه ويرباً بنفسه عنه ويعيش مخشوشناً متمعدداً أو إن أراد أن يزين نفسه زينها من باطنه بلباس التقوى وقال حجة الإسلام‏:‏ البس ما يدفع الحر والبرد ويستر العورة وهو كساء يغطي به رأسه وأوسطه قميص وقلنسوة ونعلان، وأعلاه أن يكون معه منديل وسراويل‏.‏ روي أن يحيى بن زكريا عليهما الصلاة السلام لبس المسوح حتى نقب جلده فقالت له أمه البس مكان المسح جبة من الصوف ففعل فأوحى اللّه إليه يا يحيى آثرت عليّ الدنيا فبكى ونزعها وعاد لما كان‏.‏ وقال أحمد‏:‏ بلغ أويس من العري إلى أن جلس في قوصره قال أحمد الغزالي وكانت قيمة ثوبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشرة دراهم واحتذى نعلين جديدتين فأعجبه حسنهما فخر ساجداً وقال تواضعت لربي خشية أن يمقتني ثم خرج بهما إلى أول مسكين لقيه فأعطاه إياهما، وعد على قميص عمر رضي اللّه عنه اثني عشر رقعة من أدم، واشترى علي كرم اللّه وجهه ثوباً بثلاثة دراهم فلبسه وهو خليفة وقطع كميه من رسغه وقال‏:‏ الحمد للّه الذي هذا من رياشه وفي تاريخ ابن عساكر أن عمر رضي اللّه عنه لما قدم الشام تلقته الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء وقد خلع خفيه فجعلهما تحت إبطه فقيل له يا أمير المؤمنين الآن تلقاك الجنود وأنت على هذا الحال قال‏:‏ إنا قوم أعزنا اللّه بالإسلام فلن نلتمس العز بغيره‏.‏

- ‏(‏هب‏)‏ من حديث ابن لهيعة عن عقيل عن يعقوب بن عتبة عن المغيرة بن الأخنس ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ ثم قال أعني البيهقي كذا وجدته في كتابي والصواب عن يعقوب عن المغيرة مرسلاً انتهى وعزاه المنذري للبيهقي وضعفه‏.‏

1873 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب المؤمن المحترف‏)‏ أي المتكلف في طلب المعاش بنحو صناعة وزراعة وتجارة وذا لا ينافي التوكل‏.‏ مر عمر رضي اللّه عنه بقوم فقال ما أنتم قالوا متوكلون قال لا بل أنتم متآكلون إنما المتوكل من ألقى حبه في الأرض وتوكل على ربه فليس في طلب المعاش والمضي في الأسباب على تدبير اللّه ترك التفويض والتوكل بالقلب إنما ترك التوكل إذا غفل عن اللّه وكان قلبه محجوباً فإذا اشتغل بالمعاش وطلبه بقلب غافل عن اللّه تعالى فصار فتنة عليه وأخرج البيهقي عن ابن الزبير قال أشر شيء في العالم البطالة وذلك أن الإنسان إذا تعطل عن عمل يشغل باطنه بمباح يستعين به على دينه كان ظاهره فارغاً ولم يبق قلبه فارغاً بل يعشعش الشيطان ويبيض ويفرخ فيتوالد فيه نسله توالداً أسرع من توالد كل حيوان ومن ثم قيل الفراغ للرجل غفلة وللنساء غلمة وفي الحديث ذم لمن يدعي التصوف ويتعطل عن المكاسب ولا يكون له علم يؤخذ عنه ولا عمل في الدين يقتدي به ومن لم ينفع الناس بحرفة يعملها يأخذ منافعهم ويضيق عليهم معاشهم فلا فائدة في حياته لهم إلا أن يكدر الماء ويغلي الأسعار ولهذا كان عمر رضي اللّه تعالى عنه إذا نظر إلى ذي سيما سأل‏:‏ أله حرفة‏؟‏ فإذا قيل‏:‏ لا سقط من عينه ومما يدل على قبح من هذا صنيعه ذم من يأكل مال نفسه إسرافاً وبداراً فما حال من أكل مال غيره ولا ينيله عوضاً ولا يرد عليه بدلاً ‏؟‏ قال العارف البرهان ‏[‏ص 291‏]‏ المتبولي‏:‏ حكم الفقير الذي لا حرفة له كالبومة الساكنة في الخراب ليس فيها نفع لأحد ولما ظهر المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بالرسالة لم يأمر أحداً من أصحابه بترك الحرفة وقال العارف الخواص رضي اللّه عنه‏:‏ الكامل من يسلك الناس وهم في حرفهم لأنه ما ثم سبب مشروع إلا وهو مقرب إلى حضرة اللّه تعالى وإنما يبعد الناس من الحضرة الإلهية عدم إصلاح نيتهم في ذلك الأمر علماً أو عملاً‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏طب هب‏)‏ كلهم ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب رضي اللّه عنه قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني في الكبير والأوسط فيه عاصم بن عبد اللّه وهو ضعيف اهـ‏.‏ وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله تفرد به أبو الربيع عن عاصم وليسا بالقويين انتهى وقال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في الميزان أبو الربيع السمان قال أحمد مضطرب الحديث والنسائي لا يكتب حديثه والدارقطني متروك وقال هشيم كان يكذب ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الحديث انتهى ونقل الزين العراقي والزركشي تضعيفه عن ابن عدي وأقرّه‏.‏ وقال المصنف في سنده متروك قال السخاوي لكن له شواهد‏.‏

1874 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب المداومة‏)‏ أي الاستمرار والملازمة ‏(‏على الإخاء‏)‏ بكسر أوله والمد ‏(‏القديم فداوموا عليه‏)‏ ندباً بتعهد من آخيتموه في اللّه منذ زمان ولا تتسببوا في قطعه بالجفاء وعدم الوفاء وقال ابن الأثير وفي حديث معاوية عليك بصاحبك الأقدم فإنك تجده على مودة واحدة وإن قدم العهد وانتاطت البلاد أي بعدت ولذلك عدوا من حق الصحبة حفظ المودة القديمة والأخوة السالفة، ودخلت امرأة على المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فأدناها وقربها وسألها عن حالها فقالت له عائشة رضي اللّه عنها في ذلك فقال إنها كانت تأتينا أيام خديجة وسيجيء ذلك‏.‏ قال الحكيم‏:‏ من أحب أن تدوم له المودة في القلوب فليحفظ مودة إخوانه القدماء وما أحسن مودة إخوان الصلاح، وما أجل خدمة أرباب الفلاح، فمن فاز بودهم حاز النجاح، ومن حرمه فاته الرباح، وللّه درّ من قال من أهل الأدب في معنى هذا الأدب‏:‏

ما ذاقت النفس على شهوة * ألذّ من حب صديق أمين

من فاته ودّ أخ صالح * فذلك المغبون حق اليقين

وقد أفاد هذا الحديث ندب زيارة الإخوان وتعهدهم ووفاء حقوقهم غيبة وحضوراً للّه تعالى حتى يعظم من انتسب إليهم بوجه من وجوه الطاعة واجتمع بهم برهة من الزمان ولو ساعة‏.‏

- ‏(‏فر‏)‏ من حديث سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر ‏(‏عن جابر‏)‏ قال في اللسان هذا منكر بمرة ولا أظن سفيان بن عيينة حدث به فقط‏.‏

1875 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب حفظ الود‏)‏ أي الحب الشديد المتأكد ‏(‏القديم‏)‏ قدماً نسبياً وهذا وارد على منهج تأكد زيارة الإخوان في اللّه وتفقد حالهم والإهداء إليهم واصطناع المعروف معهم ومعاملتهم بما يوجب دوام الوداد فإن ذلك مما يرضي رب العباد ويعامل فاعله بالإسعاد وعدم البعاد‏.‏ قال الغزالي‏:‏ وهذا وما قبله في حق الأصدقاء المتؤاخين أما المعارف فاحذر منهم فإنك لا ترى الشر إلا ممن تعرفه أما الصديق فيعينك وأما المجهول فلا يتعرض لك وإنما الشر كله من المعارف الذين يظهرون الصداقة بألسنتهم فأقلل من المعارف ما قدرت وأبعد ما أمكن فإن ابتليت بهم في نحو مدرسة أو سوق فيجب ألا تستضعف منهم أحداً فإنك لا تدري لعله خير منك ولا تنظر إليهم بعين التعظيم لهم في دنياهم فتهلك وإياك أن تبذل لهم دينك لتنال من دنياهم فلم يفعل ذلك أحد إلا صغر في أعينهم فإن عادوك فلا تقابلهم بالعداوة فإنه يطول عناءك معهم وإياك وثناءهم عليك في وجهك وإظهارهم الود لك فإنك إن طلبت حقيقته لم تجد في المئة واحداً ولا تطمع أن يكونوا لك في العلن والسر سواء ولا تغضب منهم فإنك إن أنصفت وجدت من نفسك كذلك حتى في أصدقائك وأقاربك‏.‏

- ‏(‏عد‏)‏ عن عائشة‏.‏

‏[‏ص 292‏]‏ 1876 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب الملحين في الدعاء‏)‏ أي الملازمين له جمع ملح وهو الملازم لسؤال ربه في جميع حالاته اللائذ بباب كرم ربه في فاقته ومهماته لا تقطعه المحن عن الرجوع إليه ولا النعم عن الإقبال عليه لأن دعاء الملح دائم غير منقطع فهو يسأل ولا يرى إجابة ثم يسأل ثم يسأل فلا يرى وهكذا فلا يزال يلح ولا يزال رجاؤه يتزايد وذلك دلالة على صحة قلبه وصدق عبوديته واستقامة وجهته فقلب الملح معلق دائماً بمشيئته واستعماله اللسان في الدعاء عبادة وانتظار مشيئته للقضاء به عبادة فهو بين عبادتين سريتين ووجهتين فاضلتين فلذلك أحبه اللّه تعالى وهذا عام خص منه الخواص في مقام الابتلاء فمقام التسليم لهم فيه أفضل لكونه أدل على قوى أنفسهم ورضاهم بالقضاء والدعاء في مثل ذلك الموطن فيه من الهلع ما لا يخفى يرشدك إلى ذلك ما ذكره المفسرون إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ألقي في النار جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال ألك حاجة قال أما إليك فلا، حسبي من سؤالي علمه بحالي، هكذا فافهم‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏عد هب‏)‏ وكذا أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ كما في درر المصنف كلهم ‏(‏عن عائشة‏)‏ قال ابن حجر رحمه اللّه تعالى تفرد به يوسف بن سفر عن الأوزاعي وهو متروك وكأن بقية دلسه اهـ‏.‏ وعزاه في موضع آخر إلى الطبراني في الدعاء ثم قال سنده رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة‏.‏

1877 - ‏(‏إن اللّه يحب الرجل‏)‏ ذكر الرجل وصف طردي فليس هو هنا للاحتراز ‏(‏له الجار‏)‏ يظهر أن المراد به هنا من قرب من منزلك عرفاً لا ما عليه عرف الفقهاء من أنه أربعون داراً من كل جانب ‏(‏السوء يؤذيه‏)‏ بقول أو فعل ‏(‏فيصبر على أذاه‏)‏ امتثالاً لأمر اللّه تعالى بالصبر في مثله ‏(‏ويحتسب‏)‏ أي يقول كلما آذاه حسبنا اللّه ونعم الوكيل وفي رواية ويحتسبه أي يحتسب صبره على آذاه ‏(‏حتى‏)‏ أي إلى أن ويجوز كونها عاطفة ‏(‏يكفيه اللّه‏)‏ إياه ‏(‏بحياة أو موت‏)‏ أي بأن ينتقل أحدهما عن صاحبه في حال الحياة أو بموت أحدهما‏.‏

- ‏(‏خط‏)‏ وكذا الديلمي ‏(‏وابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن أبي ذر‏)‏ قال ابن الجوزي‏:‏ هذا لا يصح قال يحيى عيسى بن إبراهيم أي أحد رواته ليس بشيء وبقية كان مدلساً يسمع من المتروكين والمجهولين فيدلس‏.‏

1878 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب أن يعمل بفرائضه‏)‏ أي واجباته هذا ما وقفت عليه في نسخ الجامع والذي رأيته في كلام الناقلين عن الكامل لابن عدي رخصه بدل فرائضه فليحرر وفي حديث آخر ما تقرب إليّ المتقربون بمثل أداء ما افترضته عليهم ولعلهما حديثان‏.‏

- ‏(‏عد عن عائشة‏)‏ قال ابن طاهر وغيره ما محصوله رواه عنها بإسنادين في أحدهما الحكم بن عبيد اللّه بن سعد الأيلي وهو ضعيف جداً كما بينه ابن عدي نفسه وفي الآخر عمر بن عبيد البصري وعامة ما يرويه لا يتابع عليه‏.‏

1879 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب أن يؤتى رخصه‏)‏ جمع رخصة وهي مقابل العزيمة ‏(‏كما يجب أن تؤتى عزائمه‏)‏ أي مطلوباته الواجبة فإن أمر اللّه تعالى في الرخصة والعزيمة واحد فليس الأمر بالوضوء أولى من التيمم في محله ولا الإتمام أولى من القصر في محله فيطلب فعل الرخص في مواضعها والعزائم كذلك فإن تعارضا في شيء واحد راعى الأفضل، قال ‏[‏ص 293‏]‏ القاضي‏:‏ والعزيمة في الأصل عقد القلب على الشيء ثم استعمل لكل أمر محتوم وفي اصطلاح الفقهاء الحكم الثابت بالإمالة كوجوب الصلوات الخمس وإباحة الطيبات قال ابن تيمية ولهذا الحديث وما أشبهه كان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم يكره مشابهة أهل الكتاب فيما عليهم من الآصار والأغلال ويزجر أصحابه عن التبتل والترهب‏.‏

- ‏(‏حم هق عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ مرفوعاً باللفظ المزبور ‏(‏وعن ابن مسعود‏)‏ بنحوه قال ابن طاهر وقفه عليه أصح‏.‏

1880 - ‏(‏إن اللّه يحب أن يرى‏)‏ بالبناء للمجهول ‏(‏أثر نعمته‏)‏ أي إنعامه ‏(‏على عبده‏)‏ قيل معنى يرى مزيد الشكر للّه تعالى العمل الصالح والثناء والذكر له بما هو أهله والعطف والترحم والإنفاق من فضل ما عنده في القرب ‏{‏وأحسن كما أحسن اللّه إليك‏}‏ والخلق كلهم عيال اللّه وأحبهم إليه أنفعهم لعياله فيرى في أثر الجدة عليه زياً وانفاقاً وشكراً، هذا في نعمة اللّه، أما في النعمة الدينية فبأن يرى على العبد نحو استعماله للعلم فيما أمر به وتهذيب الأخلاق ولين الجانب والحلم على السفيه وتعليم الجاهل ونشر العلم في أهله ووضعه في محله بتواضع ولين جانب في أبهة واحتشام وفي ولاة الأمور بالرفق بالرعية وإقامة نواميس العدل فيهم ومعاملتهم بالإنصاف وترك الإعتساف إلى غير ذلك من سائر ما يجب عليهم، ويطرد ذلك في كل نعمة مع أن نعمه تعالى لا تحصى‏.‏

- ‏(‏ت ك عن ابن عمرو‏)‏ ابن العاص قال الترمذي حسن وفي الباب عمران بن الحصين وأبو هريرة وجابر وأبو الأحوص وأبو سعيد وغيرهم‏.‏

1881 - ‏(‏إن اللّه يحب أن تقبل‏)‏ في رواية تفعل وهي مبينة للمراد بالقبول ‏(‏رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه‏)‏ أي ستره عليه بعدم عقابه فينبغي استعمال الرخصة في مواضعها عند الحاجة لها سيما العالم يقتدى به وإذا كان من أصر على مندوب ولم يعمل بالرخصة فقد أصاب منه الشيطان فكيف بمن أصر على بدعة فينبغي الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن ترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي الدرداء ووائلة‏)‏ بن الأسقع ‏(‏وأبي أمامة‏)‏ الباهلي ‏(‏وأنس‏)‏ بن مالك قال الطبراني لا يروى إلا بهذا الإسناد تفرد به إسماعيل بن العطار‏.‏

1882 - ‏(‏إن اللّه يحب أن يرى عبده تعباً‏)‏ بفتح فكسر أي عيياً في ‏(‏طلب‏)‏ الكسب ‏(‏الحلال‏)‏ يعني أنه يرضى عنه ويضاعف له الثواب أي أن قصد بعمله التقرب لتضمنه فوائد كثيرة كإيصال النفع إلى الغير بإجراء الأجرة إن كان العمل نحو إجارة وإيصال النفع إلى الناس بتهيئة أسبابهم إن كان نحو خياطة أو زرع وكالسلامة من البطالة واللّهو وكسر النفس ليقل طغيانها وكالتعفف عن ذل السؤال وإظهار الحاجة لكن شرطه اعتقاد الرزق من الرزاق لا من الكسب قال ابن الأثير‏:‏ وفي حديث أخر إني لأرى الرجل يعجبني فأقول له‏:‏ هل لك حرفة فإن قال لا سقط من عيني‏.‏

قال الراغب‏:‏ الاحتراف في الدنيا وإن كان مباحاً من وجه فهو واجب من وجه لأنه لما لم يكن للإنسان الاستقلال بالعبادة إلا بإزالة ضروريات حياته فإزالتها واجبة إذ كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فإذا لم يكن له بد إلا بتعب من الناس فلا بد أن يعوضهم تعباً له وإلا كان ظالماً لهم ومن تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى‏.‏

- ‏(‏فر عن علي‏)‏ أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي فيه محمد ابن ‏[‏ص 294‏]‏ سهل العطار قال الدارقطني يضع الحديث انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه‏.‏

1883 - ‏(‏إن اللّه يحب أن يُعفى‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏عن ذنب السرى‏)‏ أي الرئيس المطاع أو المطيع له والجمع سراة وهو جمع عزيز إذ لا يجمع فعيل على فعلة وقيل هو الشريف وفي خبر أم زرع فنكحت بعده سرياً وأيا ما كان فهو بمعنى خبر أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود فيأتي هنا ما مر ثم العفو محو الجريمة من عفا إذا درس‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر ‏(‏في‏)‏ كتابه المؤلف ‏(‏في ذم الغضب وابن لال‏)‏ أبو بكر في مكارم الأخلاق كلاهما ‏(‏عن عائشة‏)‏ وفيه هانئ بن يحيى بن المتوكل قال الذهبي في الضعفاء خرجه ابن حبان ويزيد عياض قال النسائي وغيره متروك‏.‏

1884 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب من عباده الغيور‏)‏ صيغة مبالغة أي كثير الغيرة والمراد الغيرة المحبوبة فإن غيرة العبد على محبوبه نوعان ممدوحة يحبها اللّه تعالى وهي ما كان عند قيام ريبة ومذمومة يكرهها وهي ما كان عند عدمها بل بمجرد سوء الظن وهذه تفسد الحيب وتوقع العداوة بين المحبين‏.‏

- ‏(‏طس عن علي‏)‏ أمير المؤمنين قال الهيثمي فيه المقدام بن داود وهو ضعيف‏.‏

1885 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب‏)‏ من عباده رجلاً ‏(‏سمح البيع‏)‏ أي سهله ‏(‏سمح الشراء سمح القضاء‏)‏ أي التقاضي كما سبق موضحاً ومقصود الحديث الحث على تجنب المضايقة في المعاملات واستعمال الرفق وتجنب العسر قال ابن العربي‏:‏ إنما أحبه لشرف نفسه وحسن خلقه بما ظهر من قطع علاقة قلبه بالمال الذي هو معنى الدنيا وإفضاله على الخلق الذين هم عيال اللّه ونفعه لهم فلذلك استوجب محبة اللّه‏.‏

- ‏(‏ت ك‏)‏ في البيوع ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الترمذي في العلل سألت عنه محمداً يعني البخاري فقال هو حديث خطأ رواه إسماعيل بن علية عن يونس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال وكنت أفرح به حتى رواه بعضهم عن يونس عمن حدثه سعيد عن أبي هريرة رضي اللّه عنه كذا قال‏.‏

1886 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب‏)‏ من عباده ‏(‏من يحب التمر‏)‏ بمثناة فوقية أي آكله ولهذا كان أكثر طعامه يعني المصطفى صلى اللّه عليه وسلم الماء والتمر كما قاله حجة الإسلام وفي الصحيح عن عائشة رضي اللّه عنها توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين التمر والماء‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا الديلمي ‏(‏عد‏)‏ كلهم ‏(‏عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص قال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه إبراهيم بن أبي حبيبة وهو متروك وقال غيره فيه يحيى بن خالد قال في الميزان مجهول وإبراهيم بن أبي حبيبة مختلف فيه وابن لهيعة وفيه ضعف‏.‏

1887 - ‏(‏إن اللّه يحب عبده المؤمن الفقير المتعفف‏)‏ أي المبالغ في العفة عن السؤال مع وجود الحاجة لطموح بصر بصيرته عن الخلق إلى الخالق وتوجهه إلى سؤال الرزق من الرزاق وإنما يسأل إن سأل على جهة العرض والتلويح الخفي كما كان أبو هريرة رضي اللّه عنه يستقرئ غيره الآية ليضيفه وهو أعرف بها ممن يستقرئه فلا يفهم مراده إلا ‏[‏ص 295‏]‏ المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فالتعبير بالتعفف يفيد الاجتهاد في العفة والمبالغة فيها ‏(‏أبا العيال‏)‏ يعني كافلهم أباً كان أو جداً أو نحو أخ أو ابن عم أو أم أو جدة لكنه لما كان القائم على العيال يكون أباً غالباً خصه وفي ضمنه إشعار بأنه يندب للفقير ندباً مؤكداً أن يظهر التعفف والتجمل ولا يظهر الشكوى والفقر بل يستره قال تعالى ‏{‏يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف‏}‏ وقال سفيان‏:‏ أفضل الأعمال التجمل عند المحنة وقال بعضهم‏:‏ ستر الفقر من كنوز البر‏.‏ قال الغزالي رحمه اللّه تعالى‏:‏ ومن آداب الفقير أن لا يتواضع لغني لغناه بل يتكبر عليه، قال علي كرم اللّه وجهه‏:‏ تواضع الغني للفقير رغبة في الثواب حسن وأحسن منه تيه الفقير على الغني ثقة باللّه‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ في الزهد ‏(‏عن عمران بن حصين‏)‏ قال الحافظ العراقي سنده ضعيف انتهى وذلك لأن فيه حماد بن عيسى قال الذهبي ضعفوه وموسى بن عبيد قال في الكشاف ضعفوه وفي الضعفاء عن أحمد لا تحل الرواية عنه قال السخاوي لكن له شواهد‏.‏

1888 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب كل قلب حزين‏)‏ أي لين كثير العطف والرحمة أي منكسر من خشية اللّه تعالى ومهتم بأمر دينه خائف من تقصيره بأن يفعل معه من الإكرام فعل المحب مع حبيبه واللّه تعالى ينظر إلى قلوب العباد فيحب كل قلب تخلق بأخلاق المعرفة كالخوف والرجاء والحزن والمحبة والحياء والرقة والصفاء فلذلك يحب القلب ذا رأي فيه الحزن على التقصير والفرح بالطاعة وقيل توضأ داود عليه السلام فقال رب طهرت بدني بالماء فبم أطهر قلبي فأوحى اللّه إليه طهره بالهموم والأحزان وقيل عمارة القلب بالأحزان والقلب الذي لا حزن فيه كالبيت الخرب فليس مراد المصطفى صلى اللّه عليه وسلم القلب الحزين على الدنيا فذلك يبغضه اللّه تعالى ففي خبر من أصبح حزيناً على الدنيا أصبح ساخطاً على ربه قال والحزين هنا ضد القاسي قال حجة الإسلام قال ابن مذعور رأيت الأوزاعي في النوم فقلت له دلني على عمل أتقرب به إلى اللّه تعالى قال ما رأيت هناك درجة أرفع من درجة العلماء ثم المحزونين‏.‏

- ‏(‏طب ك‏)‏ في الرقائق من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة ‏(‏عن أبي الدرداء‏)‏ قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأنه مع ضعف أبي بكر منقطع انتهى وقال الهيثمي إسناد الطبراني حسن‏.‏

1889 - ‏(‏إن اللّه تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها‏)‏ وهي الأخلاق الشرعية والخصال الدينية لا الأمور الدنيوية فإن العلو فيها نزول ‏(‏ويكره‏)‏ في رواية البيهقي ويبغض ‏(‏سفسافها‏)‏ بفتح أوله أي حقيرها ورديئها فمن اتصف من عبيده بالأخلاق الزكية أحبه ومن تحلى بالأوصاف الرديئة كرهه‏(‏1‏)‏ وشرف النفس صونها عن الرذائل والدنايا والمطامع القاطعة لأعناق الرجال فيربأ بنفسه أن يلقيها في ذلك وليس المراد به التيه فإنه يتولد من أمرين خبيثين إعجاب بنفسه وازدراء بغيره والأول يتولد بين خلقين كريمتين إعزاز النفس وإكرامها وتعظيم مالكها فيتولد من ذلك شرف النفس وصيانتها وقد خلق سبحانه وتعالى لكل من القسمين أهلاً لما مر أن بني آدم تابعون للتربة التي خلقهم منها فالتربة الطيبة نفوسها علية كريمة مطبوعة على الجود والسعة واللين والرفق لا كزازة ولا يبوسة فيها فالتربة الخبيثة نفوسها التي خلقت منها مطبوعة على الشقوة والصعوبة والشح والحقد وما أشبهه‏.‏